آخر الأخبار

الخريف الأمريكى – فهمي هويدي

فهمي هويدي
صحيفة الشروق الجديد المصريه الخميس 10 صفر 1438  10 نوفمبر 2016

وجه أمريكا الذى كشفت عنه الانتخابات ليس مشرقا أو أخلاقيا. 
ذلك أن الانتخابات بينت أن الولايات المتحدة مكان يموج بالكراهية، وهو ما مثله ترامب بما لا يدع مجالا للشك.. 

والمؤكد أن الفائز فى الانتخابات سيخطو نحو البيت الأبيض تحيطه ليس هالة من الأمل، وإنما طوفان من مشاعر الازدراء والرفض،
 ولا أدرى كيف يمكن لأمريكا فى ظل هذا المناخ أن تمضى إلى الأمام.. 

خلال عطلة نهاية الأسبوع حضر رجل مباراة لكرة القدم فى جامعة ويسكونس وقد ارتدى ثيابا تنكريا بمناسبة «عيد الهالووين»، فظهر على صورة باراك أوباما مع وجود حبل حول رقبته. 

ومثل هذه التصرفات المنحطة أخلاقيا تزايدت وتيرتها منذ ظهور ترامب على الساحة، بخطابه العنصرى ضد الأقليات. 

إضافة إلى ذلك فإن ترامب يبدى ازدراء واضحا إزاء القواعد المتحضرة وحكم القانون، مع إقراره للعنف ضد المتظاهرين. 

كما أنه أعرب عن إعجابه بالحكم الروسى المستبد، وتعهد بشن إجراءات قاسية ضد الصحف، ووعد بالزج بهيلارى كلينتون فى السجن. 

إزاء ذلك فإننى أشعر بالفزع حيال إمكانية فوزه، لأننى مدرك تماما أن الأمريكيين لم يسقطوا إلى هذه الدرجة. 
وما يثير فزعى حقا هو حجم الضياع الذى نعانيه. لذلك يبقى السؤال: أين تتركنا هذه الانتخابات التى تشير إلى أن القادم أصعب. 

ذلك أنها لم تؤد إلى تفاقم الفجوة بين الجمهوريين والديمقراطيين فحسب، وإنما اججت الانقسامات داخل كلا المعسكرين أيضا.

ما سبق كله اقتباس من مقالة لأحد كتاب صحيفة نيويورك تايمز (فرانك برونى) نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» يوم الثلاثاء الماضى ٧/١١ تحت العنوان التالى:
 لماذا تثير هذه الانتخابات ذعرى؟.. 

والملاحظة الرئيسية على المقالة أن الكاتب ركز على ما أثاره خطاب ترامب على الداخل الأمريكى، وكيف أنه أشاع موجة من الكراهية فى المجتمع، وأحدث فيه انقسامات ليس فقط بين الأمريكيين والأقليات الوافدة، 
وإنما أيضا بين الأمريكيين أنفسهم، الأمر الذى روج للممارسات الرديئة والأخلاق المنحطة. على حد تعبيره.

مثل هذا الخطاب ليس مألوفا فى التعليق على الانتخابات الأمريكية. 
ذلك أننا كنا نفكر فقط فى احتمالات تأثير نتائج الانتخابات علينا فى العالم العربى (للعلم فإن وطأته شديدة هذه المرة) 

وظللنا على اقتناع بأن الوضع الداخلى مستقر فى الولايات المتحدة، 
وإن التداول بين الجمهوريين والديمقراطيين له قواعده الثابتة تقريبا. استنادا إلى قوة مؤسسات المجتمع إلا أن الأمر اختلف هذه المرة. لأن ثمة انقلابا نسبيا محتملا فى الداخل.

 الأمر الذى يوحى بأن الولايات المتحدة مقبلة على ما يمكن أن نسميه الخريف الأمريكى. 
وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأننا بصدد الانتقال من الخوف من أمريكا إلى الخوف عليها. 

وإذا كانت الأسواق العالمية قد اهتزت جراء النتائج التى أعلنت، فإن أصداء الصدمة السياسية فى أوروبا لم تتبلور بعد، 
ولا يستبعد أن يؤدى ذلك إلى انعاش اليمين الأوروبى، الذى برزت مؤشرات صعوده خلال السنوات الأخيرة.

سنحتاج إلى بعض الوقت لكى نتابع تحليل النتائج والتعرف على العوامل التى حركت الزلزال الذى فاجأ الجميع بمن فيهم مراكز استطلاع الرأى. 

مع ذلك فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن المرشحين هيلارى وترامب تفاوتا فى الضعف بحيث ظلا يعبران عن الخيارين السيئ والأسوأ. 

كما أن شعبوبة ترامب مكنته من أن يستخرج اسوأ ما فى الأمريكيين حين خاطب غرائزهم ودغدغ مشاعرهم، وحرك ما كان كامنا فى الذاكرة والأعماق من شعور بالاستعلاء والعنصرية، 
ولا تنس أنه رغم إلغاء التميز العنصرى ضد السود فى منتصف القرن العشرين إلا أن أحداث العام الأخير بينت أن جذورها لم تقتلع بعد من المجتمع الأمريكى، 
وهو ما اعترف به علنا الرئيس الحالى باراك أوباما. 

وفى كل الأحوال فأغلب الظن أننا سنشهد خلال السنوات الأربع المقبلة أكثر الأفلام الأمريكية إثارة.
..................................


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صوت مصر Designed by Templateism.com Copyright © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.